د. لمياء الكندي
تمكنت المرأة اليمنية التي تعيش غالبا في بيئة اجتماعية مغلقة، من أثبات نفسها في سوق العمل ليس بداعي التثقيف والوعي الاجتماعي الذي ما زال غالبا ينظر إلى المرأة العاملة نظرة ناقصة فقد حصر دور المرأة في البيت، مع تمكينها جزئيا من ممارسة بعض الأعمال المشروطة ك عملها في التدريس أو دورها كطبيبة في احسن الأحوال.
فيما ظلت مسالة خروج المرأة من البيت للعمل مثار رفض أو تنمر اجتماعي يجحظ فيه حقها وأدوارها في ممارسة مختلف الأعمال خارج المنزل، فما زال من المعيب لدى الكثيرين ان تحظى المرأة بفرصة عمل في المكاتب والشركات والمصارف، رغم ان عملها استحقاق طبيعي ناضلت من أجله لسنوات دراسية عديدة، ورغم نيل المئات بل الألاف من النساء الخريجات لشهادت جامعية، ودورات علمية، تأهلهن لسوق العمل إلا أنهن غالبا يتجهن لمهنة التدريس نظرا إما لعدم حصولهن على أي فرص تتناسب مع تخصصهن الدراسي، او لان الأهل يمنعون عملهن وفق تخصصهن المدروس فتظل خيارات العمل محدودة بمدى نظرة المجتمع الضيقة حولهن للمرأة العاملة والمتعلمة.
وعلى الرغم من ذلك فقد ساهمت الحالة المعيشية المتردية التي وصلت اليها معظم الأسر اليمنية في ظل الحرب التي فرضتها مليشيات العنف الحوثية، للعديد من الأسر إلى السماح لبناتهم ونسائهم للممارسة بعض الأعمال والوظائف التي تمكنهن من إعالة أسرهن.
فلم يعد خروج المرأة محصورا أو مرتبطا بدراستها وخبرتها في المجالات العلمية التي تم تحصيلها سابقا، فقد تسبب وقف دفع رواتب العاملين في المرافق الحكومية في مناطق سيطرة الحوثيين إلى إهمال العمل الحكومي والوظائف الحكومية والبحث عن بدائل أخرى لكسب لقمة العيش، الأمر الذي ساهم خاصة مع انعدام توفر فرص العمل لدى العديد من الرجال في ان تبحث المراءة عن عمل خاص بها إما لتشارك رب البيت في تكاليف المعيشة أو تكون هي بديلا عنه في كسب الرزق وتحمل مسؤولية إعالة أسرهن.
من هنا لم تتقيد المرأة في عملها وفق تخصصها فقد اتجهت إلى خلق بدائل أخرى للعمل رغم مرارة الواقع وتغلب ظروف الحياة عليهن، فقد تمكن في الحد الأدنى من ان يكن مؤثرات إيجابا في المساهمة في رعاية وإعالة أسرهن.
فظهر بينهن العديد كبائعات في أسواق الخضار والقات وبيع بعض المنتجات الحرفية وبيع الزهور والبيض والدجاج والخبز واللحوح وبعض البهارات وغيرها على شكل غير مسبوق.
فيما انتشر بكثرة عددا من النساء لممارسة أعمالهن في الحقول والمزارع وقت مواسم الحصاد قادمات من مدن وأماكن لم تكن تعرف نسائها بممارسة العمل في الحقول، مع حرصهن على ممارسة أعمالهن دون ان يخبرن احد بأسمائهن او أماكن عيشهن خشية العار من حالة الفقر التي دفعتهن لهذه الأعمال لقاء مبلغ زهيد او منحنهن القليل من منتوج الحصاد.
وأخريات اتجهن إلى التدريس في المدارس الأهلية برواتب زهيدة رغم امتلاكهن مستويات علمية وخبرات كبيرة تؤهلهن لممارسة دور اكبر قد تصل الى درجة دكتورة جامعية او مدير عام.
، وأخريات يعملن بائعات ومباشرات في المطاعم والمراكز التجارية، ومنهن من يصنعن الخبز والحلويات و بعض الوجبات الخفيفة في منازلهن، فظهرت العديد من المعامل البيتية التي تلبي طلبات الزبائن معتمدات على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر مهاراتهن في ذلك.
كما اتجهت العديد منهن إلى احتراف الصناعات اليدوية من نقش وتطريز وخياطة، واحتراف برامج التصميم والجرافيك والتصوير والطباعة من منازلهن كوسيلة لكسب الرزق، في حين اتجه البعض منهن إلى الترويج لبعض السلع والبضائع التي يتم عرضها الكتر ونيا ويتم بيعها عبر مجموعات الواتس اب وغيرها من وسائل التواصل، في محاولة لكسب القليل من المال.
وفي أحيان كثير ة اتجهت الكثيرات وخاصة أولئك اللاتي لا يملكن أي تخصص علمي أو موهبة وقدرة على امتهان الحرف اليدوية، من العمل في بيوت بعض الأسر الميسورة وعرض خدماتهن كمنظفات للمكاتب والشركات وصالات الأفراح وبعض المحال التجارية والعيادات والمستشفيات الخاصة برواتب أو بيوميات زهيدة .
وعلى الرغم من قساوة ظروف وبيئة العمل التي تلقاها المرأة العاملة، سواء المتعلمة أو الأمية إلا أنهن تمكن من مغالبة هذا الواقع الذي ترزح تحت وطأته العديد من الأسر تحت خط الفقر وتمكن من إثبات ذواتهن في ممارسة اعملهن متحديات لمجمل الظروف الاجتماعية والبيئة والصحية، والسياسات الحكومية الإقصائية والتفقيريه التي تواجه اليمنيين ككل، في ظل هيمنة مليشيات الفقر والإذلال الحوثية، وحرصها على ممارسة الإفقار المتعمد لليمنيين.
إلا أنهن تمكن من قهر ظروف حياتهن ولو بالأقل القليل الذي سمحت فيه ظروفهن.