مأرب على قمم العصور
شعر: القاضي محمد بن يحيى الإرياني
ظلت عصوراً للممالك تحكمُ
تبني كما يبني الزمانُ وتهدمُ
تنهى وتأمرُ في الشعوب عزيزةً
كيَدِ القضا تهبُ الحياة وتعدمُ
تسري على قمم العصور كأنها
تاجُ تداولهُ العصورُ ومَعْلمُ
أو عرش مملكة الزمان، جنودها
الشمسُ في كبد السما والأنجمُ
نزلت بساحتها العصورُ عواثراً
حسرى وتحت سوارها تتحطّمُ
والدهر فيها ناسكٌ مترهّبُ
بمُريعِ آيِ عظاتها يترنّمُ
هي مشعل النور الذي ضاءت به ال
دنيا، ولوحُ الكونِ ليلٌ مظلمُ
وبها ترعرعت المعارفُ والحجى
والمنطقُ الأعلى القويمُ الأحكمُ
فكأنما الجدران مصحفُ قارئٍ
يملي الزمان حديثه ويترجمُ
فيها الروائعُ من بليغِ عظاتها
وبها المعالي والفخارُ مجسَّمُ
وبدائعُ الإتقان في عرصاتها
والفنّ بالصنعِ الرصينِ منمنمُ
كتبوا رقوماً في الصخور كأنّما
بيد المقادير القوية تُرقَمُ
وكأنّما الصّخراتُ من بنيانها
لوحُ الخلودِ به المآثرُ ترسمُ
المرمرُ الزّاهي على أركانها
والصمُّ من أحجارها تتكلّمُ
عاشتْ مطلمسةً كأنّ حروفَ ما
كتبوه عنها في الحجارةِ طلسمُ
لا يعرف التاريخُ حلَّ رموزهِ
فيحلّ ما كتبوا هناك ورقّموا
عظةٌ من الزّمن القديم وآيةٌ
سجدَ الأشمُّ لها وخرّ الأعظمُ
أرسلتُ من فكري شعاعاً ثاقباً
يفري القرونَ الخالياتِ ويثلمُ
ويشقُّ بيداءَ الخيالِ محلّقاً
بسما عَروض المالكين يحوّمُ
فيرى الزَّمانَ يسوقُ عالم أمسِهِ
بمهامه الغيمُ البهيمُ ويعدمُ
وكإنما الإعصارُ خلف مَثارِهِ
أشلاءُ معركةٍ لجيشٍ يهزمُ
وقوافلُ الأجيالِ تترى مثلما
تسري بعاصفةٍ سحابٌ مظلمُ
والليلُ فودُ الدّهر في ريعانه
والصبحُ رونقُ تاجهِ يتبسَّمُ
فيرى (ابنَ ذي يزنٍ) يشيّد عرشَهُ
ويعيدُ وحدةَ شعبهِ ويُرمَّمُ
نقلها د. سمير الإرياني من كتاب: علم من أعلام اليمن: القاضي الحجَّة محمد بن يحيى بن محمد الإرياني ١٩٠٨م- ١٩٨٨م، الرئيس الأسبق لمحكمة الاستئناف العليا.