🖋️د. يحصب الربيع
مأرب مدينة يمنية ، تقع في جهة الشمال الشرقي قي لمدينة صنعاء ، و تبعد عنها بمسافة تبلغ 173 كم ، و كل هذه المعلومات السابقة لا تعنيني، فهي معلومات مجردة و أرقام لا اكترث لها ، لأنها لا تذكر أن مأرب تقع في القلب ، و تعني لليمني الكثير و الكثير قبل الحرب ، لكنها اليوم مع الحرب لها مكانة خاصة تعكس صمودها وتضحيتها.. وعندما أقول مأرب فأنا لا اتكلم عن جغرافيا المكان ، بل أتكلم عن ثروة الرجولة ، و تضاريس الجسارة و النضال، ومناخ السلوك الحضاري الضارب بجذور في جينات الإنسان..
مأرب تعني لي الجمهورية ، فهي الحصن الأخير للمشروع الجمهوري الذي ضحى من أجله أبطال سبتمبر ، و هي الحضن الأخير الذي يحتضن الأبطال الاشاوس الذين يقارعون الظلم و يذودون عن حياض الجمهورية ، و عندما نقول أنها الحضن والحصن الأخير ، فإنني اعني ذلك بكل ما للكلمة من معنى ، لكن كونها كذلك لا يعني انتهاء المشروع الجمهوري فيما لو أصيبت مأرب ، لأن المشروع الجمهوري هو مشروع الهوية اليمنية ، هو مشروع حياة لليمني المتمرد على الخرافة و الكهنوت الذي حكمنا بخرافة السلالة و الحق الإلهي طوال ألف عام.
مأرب تعني لي عرين الأبطال ، فهي المدينة التي استقبلت الأبطال الرافضين لمشروع السلالة، و لم تتحمل قلوبهم رؤية الإمامة في ثوبها الجديد تحت عباءة الحوثية ، و ضاقت بهم الأرض بما رحبت، فتنادوا من كل حدب وصوب، أن إلى مأرب وجهوا شطركم فإن فيها أقواماً حماة، رجالها تحمل النسخة الأصلية لليمني الأصيل، اجتمعوا فيها فكانت المدينة الجمهورية التي حفظت رجال الجمهورية، و اكرمتهم بعد أن آوتهم، فأعادت لملمة الجراح ، و مكنت الرجال من إعادة رسم الخارطة، واعادة جدولة المعركة ، فكانت كنانة السهام التي انطلقت منها سهام الجمهورية ضد طغاة الإمامة القديمة المتجددة.
مأرب تعني لي المشروع اليمني النموذج ، المشروع الجامع الذي جمع أبناء جميع القبائل اليمنية ، بشتى انتماءاتهم و على اختلاف مذاهبهم و بمختلف اتجاهاتهم ، كانت و لا زالت البوتقة الجامعة التي قدمت التعايش كحالة معاشة ، و قدمت التسامح كمشروع واقعي جسد التلاحم في أبهى صوره، تولت مأرب في الآونة الأخيرة بعث الانسان اليمني و الإنسان المأربي على وجه الخصوص، فأنعشت الجينات الحضارية الدفينة ، جينات حضارة الأمجاد اليمنية المتوارثة من سبأ و حمير، تلك الجينات التي بنت الدولة يوم كانت القبائل لا تعرف غير التناحر و النزاع.
مأرب تعني لي شرارة الأمل ، فهي المدينة التي استعصت يوم استسلم الجميع ، ووقفت يوم يوم خضع الجميع، و قدمت نفسها كرأس حربة للمعركة التي تمثل المعركة الأشرس في مواجهة المشروع الأمامي ، فكانت الشرارة التي أشعلت جذوة النضال ، وجعلت الأيدي ترتفع أحياناً بالدعاء لها و أحياناً تمسك بها على القلوب عند كل ضربة تتوجه إلى مأرب ، مأرب هي الشرارة التي ينفخ فيها كل أعداء المشروع الجمهوري ليطفئوها، و تأبى مأرب إلا أن تشعل عنفوانها لتضيء الدرب ، و توضح معالم الطريق إلى الغد المنشود الذي لن يكون بعده إمامة و خرافة على الإطلاق، فمأرب معركة الأجيال القادمة..