مأرب وتجربة رواندا
=============
🖊️رأفت علي الأكحلي
رجعت من زيارة تعلمية ملهمة إلى كيغالي عاصمة رواندا رافقت فيها وفد من قيادات المكاتب التنفيذية للسلطة المحلية في محافظة مأرب وذلك بدعم من مشروع تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية في اليمن (SIERY) المنفذ من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
كثفت رواندا مؤخراً من عمل وكالة التعاون الرواندية والتي تم إنشاؤها لتسهيل التنسيق مع أي جهات ترغب في الاستفادة من تجربة رواندا في أي من المجالات وبشكل منظم وعبر لقاءات مع النظراء في الجهاز الحكومي وزيارات ميدانية للمواقع والهيئات والجهات ذات العلاقة. وكما هو معلوم لدى الكثيرين فقد تعرضت رواندا لإبادة جماعية في ١٩٩٤ أثناء الحرب الأهلية تشير بعض التقديرات إلى تصفية مليون شخص خلال ١٠٠ يوم، ولكنها اليوم يشار إليها بالمعجزة الرواندية حيث استطاعت تجاوز دائرة الحرب الأهلية وضربت مثالا في المصالحة ثم انطلقت في رحلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحققت نجاحات رائعة في كافة المؤشرات رغم أنها دولة فقيرة لا تمتلك موارد طبيعية ضخمة وتقع وسط دول أخرى دون منفذ بحري بالإضافة إلى العديد من التحديات التنموية الأخرى. تم التواصل مع وكالة التعاون الرواندية وترتيب جدول الزيارة بحسب احتياجات الوفد القادم من مأرب. وقد ساهمت منظمة ال g7plus (وهي منظمة تجمع حكومات الدول الهشة والمتأثرة بالنزاعات واليمن عضوة في هذه المنظمة) في عملية التنسيق مع وكالة التعاون الرواندية، وقدم ممثل وزارة التخطيط اليمنية في المنظمة كل الدعم لإنجاح هذه الشراكة.
تأجلت الزيارة أكثر من مرة بسبب الأوضاع في مأرب والتقلبات السياسية في اليمن بشكل عام، إلا أن قيادة السلطة المحلية في مأرب كانت مصممة على إنجاز الزيارة للأثر المرجو منها في تحسين الخدمات للمواطنين، كما أن دعم مشروع SIERY المتواصل شجع على المضي قدماً في برنامج الزيارة بالرغم من كل التحديات. وضم الوفد مكتب محافظ مأرب ومدراء عموم المعلومات والتوثيق والإحصاء وتنمية المرأة ومؤسستي الكهرباء والمياه والصرف الصحي وصندوق النظافة والتحسين ومكاتب الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني والأشغال العامة والطرق ومدير مديرية مدينة مأرب.
فما الذي تم خلال الزيارة؟ اجتمع الوفد في جلسات متعددة امتدت خلال أسبوع كامل مع مسؤولين من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ووزراة الحكم المحلي، ووزارة البنية التحتية، ومنصة الخدمات الالكترونية الحكومية الشاملة، ومؤسسة المياه والصرف الصحي، ومجموعة رواندا الحكومية للطاقة ومؤسسة الكهرباء، وبلدية مدينة كيغالي وهيئة تنظيم المرافق العامة (المياه والكهرباء والطرقات والاتصالات)، وتضمنت الاجتماعات شرح معمق من ممثلي الجهات الرواندية عن عملية التخطيط والتنفيذ والمراقبة والتقييم في كل جهة ونقاشات تفصيلية مع وفد مأرب حول الجوانب المحددة التي يرغبوا في التعلم منها. وقام الوفد كذلك بعدد من الزيارات الميدانية للتعرف على تفاصيل إدارة عملية النظافة ورفع المخلفات وإدارة المقلب وتنظيم النقل وتخطيط وتنفيذ التجمعات السكنية الجديدة لإيواء النازحين وذوي الدخل المحدود وتوزيع الكهرباء ومعالجة المياه وتنفيذ مشاريع الطرقات وإدارة التخطيط العمراني.
كما هو الحال مع أي جهود فقد واجهت الزيارة عدد من الانتقادات بعضها مشروعة وتهدف إلى التصويب وهذه يجب أن تكون محل ترحيب ونقاش، والبعض الاخر تندرج تحت سوء النوايا والتهريج الإعلامي والتسييس الخاطئ والتلفيق وهذه لا يجب إضاعة الوقت عليها فكما قال الله سبحانه وتعالى “فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. وقد يتساءل البعض ما الفائدة من هذه الزيارة؟ هناك في نظري نوعين من الفائدة: الأول فائدة علمية تنعكس على بناء معرفة أوسع لدى المشاركين بأسباب النجاح في التخطيط والتنفيذ الحكومي والاطلاع على تجارب الاخرين، والثاني فائدة عملية تتمثل فيما سينعكس من المعرفة المكتسبة على عمل المشاركين في مكاتبهم التنفيذية وهذا ما ستظهره الفترة المقبلة وستقوم قيادة السلطة المحلية بمتابعته. بالنسبة للفائدة الأولى سأقوم إن شاء الله في الأيام المقبلة بمشاركة خواطر حول بعض الدروس التي استفدنا منها خلال الزيارة حتى تعم الفائدة وبالذات للمهتمين بهذا الجانب.