نصر الأغبس
جابها في جمس محفور التواير //
لا مشى يرسم على الرملة نقوشه
استمعت لهذا الجزء من أغنية جميلة ومعروفة للفنان القدير/ أبو عسكر، ومن يومها توجهت بإصغاء وجداني خاص لإستماع الكثير والكثير من اغانية بحب وإعجاب.
عندما تتأمل في مسيرته بشكل عام، تجدها مسيرة كبيرة وحافلة بالكثير من النجاحات, علاقته الفنية بدأت من الانشاد المدرسي، ثم تعلم العزف الذي عانى الكثير بسببه نتيجة ملاحقات والده في سبيل صده عن هذا النهج – بحكم العادات والتقاليد التي لا تخفى على أحد – قبل أن يشفع له لدى والده الشيخ الراحل علي القبلي نمران وطلب منه السماح له بالمواصلة في هذا المجال وهو ما كان.
تطور أبو عسكر بشكل سريع وفرض اسمه في الساحة الفنية في غضون سنوات قليلة جداً، ويمكن القول إن مطلع التسعينات كانت هي الإنطلاقة الحقيقية لمسيرته الفنية.
أبو عسكر غنى لكل شيء؛ الوطن، الغزل، المجتمع، المطر، الغيم، البادية السيارات, وكل ما يستدعي الغناء من بقية الأغراض والمواضيع.
يقول الصديق إبراهيم العسكري، أحد ملاك استريو بغداد المعروف في مأرب والذي كانت تنشر جميع الأعمال الفنية لأبو عسكر من خلاله، أن أكثر ما يدهشه في أبو عسكر هي غزارته في الإنتاج الفني إذ كان يتفاجئ به وقد قام بتسجيل جلستين خلال اليوم الواحد واحيانا ثلاث وقد تصل إلى أربع جلسات في ظرف 24 ساعة فقط. أما عن تقديره لعدد الجلسات التي تتوفر لديه فيقول أنها تصل قرابة 4000 جلسة، وهو بلى شك إرث كبير وضخم .
وعن جانب مهم من حياة أبو عسكر، يؤكد إبراهيم العسكري على أنه فنان غير ربحي ولا يهتم إطلاقاً للأمور المادية، يكتفي بمحبة الناس وأي مبلغ رمزي قد يحصل عليه من الشاعر فقط، ولم يسبق له أن طالبهم أو أخذ منهم ريال واحد مقابل أي جلسة يقوم بتسليمها لهم رغم أن نسخ أعماله تحقق عمليات بيع عالية جداً، ولا ينفك عن الإشادة بحسن تعامله وبساطته وتواضعه وحسه الفكاهي وهي سمات أصيلة من شخصيته بالنسبة لكل من عرفه عن قرب.
أما جماهيرية الفنان أبو عسكر فقد شهدت إنتشار وتوسع كبير جداً وامتدت على حيز واسع من المناطق اليمنية وصولاً إلى بلدان الخليج العربي، وهذا الانتشار ربما لم يحظى به أي فنان شعبي آخر من مأرب والمناطق الشرقية بشكل عام باستثناء حسن البصير ومحمد حسين الشاطري وأحمد عمر العوذلي، مع مراعاة تفاوت النسب!
أحيى فناننا الكبير الكثير من الحفلات داخل اليمن وخارجه، خصوصاً في دول الخليج مثل السعودية وقطر والإمارات.
ما قدمه أبو عسكر يضعه في قائمة أبرز الفنانين الشعبيين في اليمن خلال آخر 30 سنة، وعند النظر لكل ما فعله طوال مسيرته فهو أمر مثير للاعجاب والتقدير ولا تملك إلا أن تصفق له بكل حراراة.
ما يحسب لأبو عسكر، هي جرأته الفنية، فقد أعاد تأدية أغاني صعبة لفانين عرب أو الغناء على ألحانها, عندما تستمع إليه تندهش لإتقانه تأدية تلك الأغاني أو الألحان، وتكتشف أن الجرأة التي تملكته مصدرها ثقته بنفسه وإمكانياته وقدراته الفنية.
الغناء للصراعات القبلية قد يحسب على الجانب السلبي في مسيرة أي فنان، وبالنظر إلى أن مجموعة كبيرة من الفنانين الشعبيين انخرطوا في هذا المجال، فأبو عسكر لم يكن استثناء غير أن ما يلفت النظر هو مسافة الحياد التي يتخذها من الجميع وبنفس الالتزام، حتى ولو كان الأمر يتعلق بالمجتمع الذي ينتمي إليه!
يمر الفنان القدير أبو عسكر هذه الأيام بظروف صحية غير جيدة، وهو يتواجد حالياً في القاهرة لتلقي العلاج، سألته عن وضعه الصحي قبل أيام ورد أن كل شيء تمام لكن نبرة صوته توحي بأنه متعب وبحاجة للمزيد من الرعاية والاهتمام، ومتى ما توفرت الظروف المناسبة فهو يستحق تكريم رسمي وشعبي كرمز إيقوني للأغنية الشعبية في مأرب .