بقلم/وليد الشعوري- كاتب
حين ننوي الحديث عن نكبة 21 سبتمبر يخطر في أذهاننا الموت والارهاب وتفجير المساجد ودور العبادة والمنازل، والزنازين المظلمة، واتساع المقابر، نتذكر صُراخ الأمهات، والمُدن الحزينة، والأطفال المرعوبين، وقوافل المشردين، ومواكب الجنائز الجماعية.
حين يسمع أحدنا حديثاً ما عن نكبة 21سبتمبر يلوح أمامه شريطاً من المآسي والأوجاع والكوارث التي أحدثتها هذه النكبة، فقد أصبح إسمها مقرون بالموت والفَقد والخسران والإنتكاسات المتوالية لبلدٍ أصبح رهينة لطيش ونزوات جماعة عنصرية ارتكبت أسوأ جريمة بحق اليمنيين.
في مقتبل العام 2014 كان اليمنيون على أعتاب مرحلة جديدة بعد عام كامل من جلوس اليمنيون بمختلف أطيافهم على طاولة وطنية واحدة، رسموا ملامح دولتهم المنشودة، ووضعوا أسسها المتينة على قواعد صلبة تضمن للجميع الشراكة والعدالة والمساواة والإنصاف، ونيل الحقوق.
كان اليمنيون على بعد خطوة من معانقة الحلم الكبير، اليمن الاتحادي الذي لا يُظلم فيه أحد، ولا منطقة على حساب أخرى.
في لحظة انهماك القوى الجمهورية في الإعداد لمستقبل اليمن الواعد، لم يدرك اليمنيون أن هناك جماعة عنصرية حاقدة تخطط لنسف خمسون عاماً من الحرية والنور ، وإعادة اليمنيين الى مستنقع الإمامة السحيق. لم يرق لتلك الجماعة أن يتقدم اليمنيون نحو المستقبل بخطى ثابتة أجمعوا أمرهم عليها في مؤتمر الحوار الوطني ، فقررت إعادتهم إلى الوراء ألف خطوة وألف عام.
التسامح الكبير الذي أبداه اليمنيون مع هذه الجماعة في مؤتمر الحوار الوطني، رغم ماضيها الأسود، إضافة إلى الأحقاد بين طرفي ثورة 2011 والنظام السابق، وتراخي القوى السياسية ، وأجندات القوى الخارجية، والتغلغل الهاشمي في مفاصل الدولة، كل هذه العوامل وغيرها عبّدت الطريق لجماعة الحوثي للوصول إلى صنعاء، والأخطر من ذلك وصولها عمق المجتمع اليمني الذي دأبت على تجريف هويته طوال قرابة عقد من الزمن.
لم يكن لعصابة 21 سبتمبر هدف آخر من نكبتها هذه، سوى إعادة اليمنيين الى حقبة أجدادها المظلمة ، إلى عصور الجهل والتخلف والظلم والتسلط والإنحطاط ، والإستئثار بمقدرات الشعب لصالح أسرة معينة، لقد عادت إلى الواجهة كل مظاهر الإرهاب وأساليب القمع والوحشية التي رافقت حُكم الإمامة البائد قبل قيام ثورة 26سبتمبر، وعادت الخرافات وادعاءات الاصطفاء والحكم بأمر الله، وهو تجسيداً حوثياً لنهج الإمامة. مايؤكد ان الحوثيون يحاولون من خلال نكبتهم المشؤومة إعادتنا الى ماقبل قيام الحمهورية، هو إلغاء إنجازات الثورة والجمهورية كالحرية والديمقراطية والشورى والتعددية السياسية ، نالو من كل مايخلّد المكسب الثوري الكبير الذي حققه اليمنيون في العام 1962 بعد صراع مرير مع الإمامة والسلالات المتعاقبة على مدى أكثر من ألف عام.
لقد مثلت نكبة 21سبتمبر أسوأ كارثة إنسانية حلت على اليمنيين، مارست الجماعة المنقلبة على الجمهورية الإرهاب والعنف والاستبداد والفساد ، ودمرت اليمن ، وحولته الى رهينة سياسية لأجندات الخميني، دمرت القيم، ومزقت المجتمع، وأملأت المقابر بجثث اليمنيين، وفي طريق محاولتها الغاء الثورة والجمهورية وإعادة الماضي أهلكت المليشيات الحرث والنسل، وفرضت الشعارات الطائفية والكهنوت الديني بقوة السلاح، لم تكتفي تلك العصابة بسطوها على مؤسسة الدولة واحتلال المحافظات، بل عمدت الى نسف اهداف الثورة ومبادئ الجمهورية، واستبدالها بمشروع الولاية، و خرافة الاصطفاء الزائف.
في لحظات انتفاشتها الأولى انخدع بعض اليمنيون بشعار الجرعة الذي اطلقته الميليشيا، ولم يكونو مدركون لأهدافها ونواياها القذرة التي أخفتها خلف تلك الشعارات البراقة، لم يكن احد من اليمنيون يتصور أن تلك الجماعة ستعيدهم إلى ماضي أجدادها وحقبتهم المريرة الملطخة بدماء اليمنيين، لم يكونو على علم انها ستجر نهج الإمامة الدموي وفرضِه عليهم بعد ان لفظه أجدادهم في ثورة مباركة أخرجت اليمنيين من ظلمات الإمامة، إلى نور الجمهورية، ومن عبادة الإمام الطاغية، الى عبادة رب العالمين.
اليوم وبعد تسعة أعوام عجاف مضت على نكبة اليمن المشؤومة تبدّت لكل اليمنيين سوءة هذه المليشيات، وانكشف وجهها الحقيقي، واستنفذت الجماعة خلال هذه الاعوام كل وسائل الخِداع، وأساليب الكذف ، وشعارات الزيف والبهتان، وأسفرت عن حقيقتها البشعة من خلال جُرمها وجنايتها على الشعب، وما كانت تخفيه هذه الجماعة في الأمس، اصبح اليوم واضحاً كالشمس في وضح النهار ، أصبح جميع اليمنيون على يقين برجعية هذه الجماعة التي تسوقهم نحو الماضي، وبعمالتها وتبعيتها لإيران من خلال محاولتها تحويل اليمن الى اقطاعية إيرانية.
تسعة اعوام من محاولات أحفاد الإمامة تدمير الحاضر وإعاقة المستقبل، وإعادة الماضي البائس، قوبلت برفض اليمنيين ومقاومتهم، وكل يوم يتزايد السخط الشعبي ضدها في المناطق التي تسيطر عليها، وكل يوم تتسع الهوة بينها وبين من حولها من المنخدعين، ومن الشمال الى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب أصبح جميع اليمنيون على قناعة تامة بضرورة إزالة هذه اللطخة السوداء ، وهزيمة مشروعها العنصري.
إذن نحن على بعد خطوة من معركة فاصلة تتناغم فيها بنادق اليمنيين من كافة ارجاء اليمن، بما في ذلك المحافظات التي ترزح تحت وطأة الاحتلال الفارسي، معركة خلاص لكل يمني أذاقته مليشيا 21سبتمبر ويلات الحرب ، وشتى المآسي، وصنوف العذاب والقهر، يوماً قريباً ستدفع فيه هذه السلالة العنصرية ثمن جرائمها بحق شعب عظيم، ومغبة سرقتها لعشر سنوات من مستقبله، وكل قطرة دمٍ أو دمعة عين سفكتها هذه المليشيا سيكون ثمنها رأساً من قادتها وفي مقدمة زعيم الكهنوت عبدالملك الحوثي ، لن ينسى اليمنيون ثأرهم ممن تسبب لهم بكل هذه المآسي التي امتدت من عام 2004 وحتى اليوم. ولن يفلت الجناة من عقاب الشعب، وسيكون سقوطهم مدوياً كسقوط أجدادهم الهالكين. وإن غداً لناظره قريب.