وكّأنها تَمرُ بِولادةٍ حضاريةٍ جَدِيدةّ فشِبهُ النهَرَ الصغير المُتَدفقِ مِن سِدها التاريخي جَسّدَ حِكاياتٍ يستحضُرها الجميع عند الوقوفِ على ضِفافه.
أُسَرٍ من كُلِ حَدبٍ تأتي لِتُنَفسَ كربِها وتَرمي هُمومَهَا
وأُخرىَ تَقصُ لهُ نِضَال أبنَائِها وتَضحِياتِ أبطَالِها.
لعَلَ هَذا الانسِجَام بين مياهِ السّدِ وبينَ زَائرية يَربُطهُما بِحكاياتٍ مُشتركة وأن أختَلفَ الجَمِيع في سردِ تَفَاصِيلها.
فالهدوء يغمُر الضِفاف ماعدا أصوات أطفال تلهو يتَخَلَلُها حفيفُ الأشجار وخريرُ المِياه.
وأنّ رَميتَ نَظَرُكَ أقَصى القومِ فمأربُ القديمةُ ومَعَابدُ سبأ تَاريخاً كَهلاً شَامخاً على مَلامَحَهَ قَسوةِ الزمان وعَظَمةِ الأنْسان.
ومن ضِفافِ المياه ننتقلُ إلىَ جَبهاتِ مُشتَعلةً تَتَعالىَ فِيها زمجرةُ المدافعِ و أزِيزِ الرصاصِ لِنُمعِنَ بالبَصَرِ جَليِاً فَنَجِدَ فِتيةٌ وشِيباً يُسَجِلونَ تاريِخاً فَتياً أعياكَ أن ترى في هذهِ الدُنيا أمثَالهُم أولو بأسٍ وقوةٍ وحكمةٍ يَقولونَ لأرضِهم نَحنُ هُنا فبِماذا تَأمُرين.
وأرجعَ البَصرَ لِترىَ غُزاةٍ تَرقصُ الشياطينُ فَوقَ رؤوسِهم وأبليسَ يَرقُبُهم مِن ضَريحَ زَعِيمِهِم حولهُ زبانيتةٌ مِن أبناءِ سُوءالدِين.
جَعلوا مَن قُبورِ الهالِكينَ مَزاراتٍ وبَساتين
يَتَوافدُ إليِها أقرِباءٌ مساكين
فالموتُ خَيمَ على كُلِ بِيت
هَلكت فيهِ الثَكالا في إطعامِ اليتاما.
ثُم أرجعَ البَصَرَ إليهم كرتين سترى قطيعٌ من الجاهلين وقطيعُ من المُضلين وكَثيرٌ من المظلومين وكثُرُ من المُستضعَفين.
سيرجعُ البصَرَ إليكَ آسياً وحزين.
سَتظلينَ يا مأربُ غَابِرُ التاريخ وغَبَرُ المعَاركِ
تسحَقينَ الغُزاةِ والمُتآمِرينَ وأملاً لِكُلِ اليمَنيين.