حسين الصوفي
تشرفت طيلة ثلاثة أيام بمشاركة ١٨ طالبة وطالب من قسم الإعلام بجامعة إقليم سبأ في مأرب جزء من حكاية “أساسيات الصحافة” والنقاش حول فنون التحرير الصحفي، وقد كنت أكثرهم استفادة وأولهم تعليما ومنهم وبهم ولأجلهم أعدت قراءة كتب كبار منظري مهنة الصحافة، وقضيت الليال والايام الماضية اتتبع سير جهابذة الصحافة وملوك الحرف والصوت والصورة، فشكرا كثيرا جدا للمشاركين، بحجم النشاط الذي ملأ كياني، بحجم الحماس الذي وجدته فيهم، بحجم اجتهادهم وتفاعلهم وشغفهم للاستفادة وتطوير مهاراتهم.
ولقد صدمت أول ما أكدوا لي أنه لا يوجد لديهم في قسمهم تخصص “صحافة”!!، وبقدر الصدمة كانت المسؤولية مضاعفة علي في تقديم خلاصة الخلاصة في أساسيات الصحافة، وقد حاولت تكثيف ما استطعت عليه خلال ثلاثة أيام، قدمت معلومات وضاعفت الجهود في محاولة ترسيخ قناعات عن الصحفي الحقيقي الذي هو أبعد ما يكون عن “الرأي”، أو الفسبكة، يهتم بالمعلومة والمعلومة فقط، المعلومة المكتملة التي تخدم مهنته ويراعي في تقديمها المسؤولية المجتمعية.
والتزاما مني بأخلاقيات المهنة واحتراما لبلاط صاحبة الجلالة، فقد اتفقنا على أن نستمر خلال ثلاثة أيام متتالية التواصل لتطبيق بعض مهارات العمل الصحفي، والتدريب على رأس العمل حيث أنشأنا غرفة أخبار افتراضية ويتم فيها العمل الصحفي وأقوم بدور رئيس التحرير كجزء أساسي وواجب أخلاقي ضمن برنامج الدورة، على أن نستمر في تقديم ما نستطيع من الاستشارات والنصح والارشادات لهم ما استطعنا بعد انقضاء الفترة وما شاء الله أن نفعل.
قبل أكثر من عامين كنا في نقاش عابر حول واقع الصحافة، ذلك أننا في ٢٠١٨م أصدرنا تقريرا لخص وضع الصحافة خلال ثلاث سنوات، كان لي شرف الفكرة والإشراف عليه، وبذلنا جهودنا مضنية للغاية مع كافة الزملاء حتى رأى النور، لكننا وجدنا أنفسنا أمام فجوة كبيرة وعاصفة خطيرة تهدد البيئة الصحفية، حيث أن هناك الكثير انضموا إلى بلاط الصحافة، في ظل انهيار شبه تام للمؤسسات الصحفية والإعلامية، الأمر الذي أوجد ثغرة في تبادل الخبرات أو الإشراف على نقلها أو التدريب على رأس العمل، وزاد الطين بلة أن البعض ظن أن الصحافة والاعلام ليست سوى أن تفتح كاميرا الهاتف أو تضخ منشورات و”تهشتق”!!
في نقاشات ذلك المقيل قبل عامين، صدمني أحد الزملاء وهو يصنف “أجيال الصحافة” تصنيفا كان أشبه بوضع حواجز خرسانية فاصلة، تحدث كما لو أنه يتحدث عن جيل هيلين توماس وهيكل وجيل ستينيات القرن الماضي، وبقدر ما استفزني ذلك التصنيف “المدمر” إلا أنه تحول إلى قضية شغلت تفكيري طيلة عامين وأكثر، كيف سيكون حال الصحافة في ظل هجرة الرعيل الأول ونزوح أساتذتنا الكبار إلى خارج البلد، وفي ظل الحرب الشرسة التي لم تتوقف لحظة ضد الصحافة في بلادي، وفي ظل توافد غير مسبوق إلى بلاط صاحبة الجلالة دون أي تأهيل أو تنوير أو تحلي بأخلاقيات وقيم المهنة، وفوق ذلك أن هناك انتهازية غير مسبوقة واستغلال سيء ومقرف يمارسه البعض ممن ركبوا فوق ظهر المهنة وتقيأوا عليها، مستغلين الفوضى الناتجة عن الحرب ضد الصحافة والعوامل التي ذكرناها آنفا.
من أجل ذلك كله ومعذرة إلى ربكم، واستشعارا للمسؤولية قمت بالتدريب في هذه الدورة والفضل بعد الله يعود للأخوة الأعزاء في المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين “صدى” وعلى رأسها الزميل القدير الدؤوب المثابر يوسف حازب والمدير التنفيذي الحبيب هشام التميمي، والتي كانت عبئ مالي على رؤوسهم في ظل ميزانية صفر، وقد آثرت القيام بذلك رغم الإجهاد الذي أعانيه نتيجة الانزلاق في العمود الفقري لكن مثابرة واهتمام وحضور الطلبة كانت تطغى على كل تعب، فلولاهم ما كانت هذه الدورة، فلهم خالص التقدير والاحترام على اهتمامهم الكبير.
ولن تكون هذه الدورة النشاط الوحيد، بل هي خطوة أولى بإذن الله، وقد عقدنا العزم على السعي لترميم هذه البيئة ما استطعنا وكلنا ثقة بتظافر كافة الجهود من أجل حراسة قيم الصحافة وحماية البيئة الصحفية من الانهيار والانقراض ايضا، فالحل هو في التدريب والتأهيل والمتابعة والتثقيف والتحفيز والمراقبة والتعليم، والملاحقة والمكافحة لمن لا يريد ذلك، والمقاضاة لمن ينتهك قيم الصحافة ويحاول استغلالها واتخاذها مطية للطعن والتشهير وممارسة الغواية!.
لست هنا في مقام استعراض بطولات، ولكنني بكل خجل وتواضع أسعى للفت انتباه كل من له علاقة إلى أنه حان الوقت للانتقال من مربع اللوم والشكوى، إلى ميدان العمل وساحة البناء، وكلما تكاتفنا ولملمنا جهودنا وتعهدنا بعضنا بالنصيحة والرأي كلما تعافت أرواحنا ومعها تحل العافية على مهمتنا ومهنتنا ووطننا في آن.