لا يوجد رقم دقيق لتاريخ وجود الانسان في اليمن، إلا أنه قام ببناء أقدم وأعرق الحضارات في العالم على ضفاف أودية بلاد اليمن الواقعة في جنوب شبه الجزيرة العربية.
ومن أهم وأبرز وأشهر وأقدم تلك الحضارات، هي حضارة سبأ والتي يعود تاريخ ظهورها الصريح والموثق إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد، دون معرفة ما إذا كانت قد ظهرت قبل ذلك التاريخ.
وهناك عدة عوامل جعلت الانسان اليمني يتواجد في وادي سبأ والمعروف حاليا بـ “مأرب” وإقامة أكبر وأعرق الحضارات، والتي لا تزال آثارها موجودة إلى اليوم.
ومن أهم وأبرز عوامل أو أسباب قيام حضارة سبأ، وفرة المياه وخصوبة التربة، فالحضارات لا تبنى ولا تقوم إلا على الزراعة والزراعة هي العامل الرئيسي لاقتصاد البلدان والماء هو أساس ومصدر الحياة لكل شيء.
وساعد الامتداد الطويل لوادي (ذنة) الذي يغذي مأرب بمياه السيول من عدة مناطق بعيدة جداً ومتعددة، حيث تنحدر الفروع التي تصب في ذلك الوادي من مرتفعات جبال خولان بصنعاء وجبال ذمار والبيضاء والمرتفعات الجنوبية والغربية لمأرب، ويعد من أطول وأكبر الأودية في اليمن ويعتمد على عدة فروع كبيرة ومتفرعة أيضاً ما يجعل تدفق مياه السيول معه يستمر لأشهر دون توقف خلال مواسم الأمطار.
ولم يقتصر دور تعدد وامتداد فروع وادي ذنة إلى صنعاء وذمار والبيضاء في توفير أكبر قدر من المياه لمأرب، بل ساعد على خصوبة التربة من خلال التربة الناعمة (الطمي) التي تحملها السيول من المرتفعات والمنحدرات وتشكل بها أراضي خصبة في مناطق واسعة بمأرب على ضفاف وادي سبأ.
ومن أهم وأبرز أسباب قيام حضارة سبأ إلى جانب الزراعة، “التجارة” حيث ساعد مرور قوافل التجارة بين الصين والهند عبر اليمن إلى مصر والشام والرافدين وأوروبا، على قيام حضارة سبأ والتي كانت تتحكم في طريق القوافل والتي كانت تمر بشبوة ومأرب والجوف.
وساعد اعتماد العالم قديماً على الطرق البرية أكثر من البحرية، لعدم وجود التطور في النقل البحري، في نشاط طريق التجارة البري العالمي الذي يمر بمأرب وتتحكم فيه.
وكان مرور طريق التجارة بمأرب عامل مكمل لأسباب قيام حضارة سبأ والتي تمثلت في الماء واتساع رقعة الأراضي الخصبة في مأرب ذات الأرض السهلة بخلاف المرتفعات الجبلية، كانت من أهم وأبرز أسباب قيام حضارة سبأ.
ومثلما ساعدت التضاريس في انحدار المياه من مرتفعات بعيدة إلى مأرب ساعدت تضاريس السهول في قدرة الانسان على زراعة مساحات واسعة وشاسعة من الأراضي الخصبة، كما جعلت التضاريس السهلة من مأرب ممر لطريق التجارة العالمي الذي يربط بين مشرق الأرض ومغربها.
ونلاحظ بأن حضارة سبأ في مأرب بدأت تنهار بازدهار ونشاط النقل البحري بعد تطور تقنية الملاحة البحرية، مما ساعد في نشاط التجارة بين الشرق والغرب عبر البحر الأحمر والطرق الساحلية، وعلى الرغم من اتساع رقعة مملكة سبأ إلى البحر الأحمر وحتى القرن الأفريقي، وتحكمها في ميناء المخا وطريق باب المندب، إلا أن إضعاف دور عاصمتها مأرب كان سبباً في انهيارها.
ولم يقتصر دور اضعاف عاصمة مملكة سبأ على خروج التجارة عن سيطرتها بعد تحولها مع البحر الأحمر والطرق الساحلية، بل تطور الانسان في الزراعة وأصبح يجيد ممارسة الزراعة في الجبال وتحويلها إلى مدرجات زراعية صغيرة بعد أن كان يجيد زراعة الواحات في الصحراء بمأرب، فبدأت بعض القبائل بممارسة الزراعة في المرتفعات الجبلية في اب وذمار وصنعاء وبدأ التمرد من اب من قرية ظفار وهناك قامت مملكة حمير، إلا أن حضارة سبأ تبقى هي الأكبر والأعرق على مر التاريخ.
وهنا يتضح لنا بأن الزراعة والتجارة من أهم وأبرز العوامل التي أدت إلى قيام حضارة سبأ، ولا تزال مأرب بتضاريسها وموقعها الجغرافي ملائمة للتجارة والزراعة والصناعة أيضاً.